
قم بشيطنة حركة النهضة، ادع إلى الفوضى وإسقاط النظام، ثم جنّد صفحات وإعلاميين للحديث عنك ومنحك المصدح لتقوم بالمزيد من ذلك، وستتحوّل إلى “بطل” تشيد به الثورة المضادّة وتفتح له منابر إعلامها، وخزائن عطفها، وأشياء أخرى كثيرة يمكن أيضا أن تحوّلك إلى “زعيم أسطوري” في زمن غلبت عليه الرداءة أين تتم صناعة الرموز والتخلّي عنها بجرّة قلم.
المسار الموصوف أعلاه بات طريقا يتبعه كثيرون من أجل البروز، ومن أجل مصالح أخرى كثيرة، رغم فائض الوطنيّة الذي يشعّ من خطاباتهم التسويقية، ومن الشعارات النبيلة التي قاموا باغتصابها وتحويلها إلى واجهات لتحقيق غايات أخرى. يكفي إلقاء نظرة على تعامل الإعلام الإماراتي، باعتباره رأس الحربة في قيادة الثورات المضادّة، لتكتشف الأجندات التي يستهدفون بها تجربة تونس الديمقراطية ومن يقودها في الداخل.
سامي الطاهري تسي تونغ
كان للأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري تأثير كبير على التحشيد والتعبئة للإضراب العام الأخير الذي نفّذه اتحاد الشغل يوم 17 جانفي الجاري، لكن من المفيد التنبّه إلى أنه لم يشر ولم يحذّر مثلما فعل القياديان بوعلي المباركي وعبد الكريم جراد من محاولات توظيف الإضراب وتحويل وجهته نحو العنف.
الخطاب التحريضي الذي مارسه سامي الطاهري في الأيام الأخيرة يعكس إلى حدّ بعيد قناعات الشخص، في تماه تام مع تكوينه ومسيرته من الناحية السياسية والإيديولوجيّة، لكن الإعلام الإماراتي الذي يستثمر في الفوضى ويروم الإجهاز على التجربة التونسيّة ذهب إلى أبعد من ذلك.
في مقال بعنوان “سامي الطاهري.. يساري تونسي محنك يقض مضاجع الإخوان“، قالت شبكة عين الإماراتية إن الطاهري “يمثَل جدار صدّ ضد الإخوان و لا ينكر أحد خطواته ضد سياسات تحالف الشاهد والإخوان باعتبارها سياسات تفقيرية للشعب التونسي. فدافع بشراسة عن ضرورة تغيير منظومة الحكم لأنها تتلقى التعليمات من صندوق النقد الدولي و لا تستمع لمشاغل المواطنين”. وأضافت بأن الطاهري “بات احد الأصوات العالية المنادية بالإضراب العام إذ يرى أنها الفرصة الأخيرة لانتزاع حقوق العمال ضد تخالف حكومي متغطرس”.
الإعلام الإماراتي ذهب إلى أبعد من ذلك بكثير. ففي نفس المقال الإشهاري، زعم كاتب “البورتريه” بأن “الاتحاد هو ورشة لتكوين النقابيين المعادين للتيارات الإسلامية وخاصة الإسلام السياسي، حيث أن الطاهري رفيق سابق للشهيد شكري بلعيد ويحمل في لسانه فصاحة لغوية كأنه ماو تسي تونغ جديد يقفز من الماضي الى حاضر تونس”.
كاتب المقال لم ينس أيضا الإشارة إلى “الطاهري يواجه تشويها من قبل بالميليشيات الإلكترونية، لتنظيم الإخوان الإرهابي في تونس، لأنه ببساطة عنوان صعب في المعادلة النقابية يقضّ مضاجعهم، ويفضح ألاعيبهم السياسية، حيث يضمرون عداوة تاريخيّة للمنظمة الشّغيلة تحت عنوان العداء الإيديولوجية. وهو عداء فطري لكل الاصوات المؤمنة بالحرية..”
من حقّ كاتب المقال أن يشبّه سامي الطاهري بما يشاء في مقالته الإشهارية، ومن واجبه أن يطنب في الحشو اللغوي لإرضاء غرور المخابرات الإماراتية التي فشلت كل محاولاتها في زعزعة الاستقرار في تونس، خلال السنوات التي تلت الثورة، لكن ذلك يضعه في مساءلة مشروعة من كل القرّاء.
تقوم المساءلة المشروعة لما ورد في المقال المذكور على استفهامين رئيسيين، يتعلّق الأوّل بعلاقة الإمارات بالمسألة الماوية وأفكار ماو تسي تونغ، وبـ”أصوات الحرية”؛ وهي الدولة التي تكفّر الفكر الشيوعي واليساري، وتجرّم الحرية في داخلها. ويتعلّق الاستفهام الثاني بالغايات أو الأهداف من وراء الإشادة بسامي الطاهري، في هذا الظرف بالذات، خاصّة وأن الأمين المساعد لاتحاد الشغل يعمل جاهدا على دفع الاتحاد نحو إصطفاف سياسي معلن، قبل الانتخابات القادمة، والأهم أنه بات محاصرا بمغادرته قيادة الاتحاد في المؤتمر القادم.
ليست الأولى
على نفس الموقع الذي نشر المقال الإشهاري الذي يشبّه سامي الطاهري بماو تسي تونغ الذي تخلّت الصين نفسها عن أطروحاته ويربط الحزب الشيوعي فيها علاقات متطورة جدّا مع حركة النهضة التونسية بعد الثورة، لا تغيب تونس عن المقالات والتقارير اليومية في الأيام الأخيرة بنفس النبرة التحريضية والعدائية.
شيطنة النهضة والدعوة لإسقاط الحكومة وإقالة رئيسها يوسف الشاهد هي نفس العناوين التي يروج لها الموقع الإلكتروني المذكور وكل الإعلام الإماراتي باعتبارها عناوين الثورة المضادة مفضوحة الأجندات والغايات في السنوات الأخيرة.
مبارك لسامي الطاهري لقبه الجديد الذي منحته له الثورة المضادة، ونظام آل زايد تحديدا، ولكنها طريقة فاضحة لإعادة تسويق الوهم دأب عليها إعلام يهاجم حق الشعوب في تقرير مصيرها، في انتظار أن يصدر الطاهري موقفا واضحا من نظام الإمارات الذي يحتفي به، في المسألة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية
mim