الفساد التشريعي المنظم واكذوبة تجريم الاثراء غير المشروع بالقطاع الخاص

2018 Juin : 26أخبار

تضمن مشروع القانون المتعلق بالتصريح بالمكاسب والمصالح وبمكافحة الاثراء غير المشروع وتضارب المصالح بالقطاع العام جملة من النقائص سوف نتطرق لها تباعا. فقد جاء ذاك المشروع مشوبا بالفساد ومخالفا لاتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد والقوانين المصادق عليها اخيرا وبالاخص قانون حماية المبلغين وقانون هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد اللذان اشارا بوضوح الى ضرورة مكافحة الفساد في القطاع الخاص والعام، باعتبار انه اقتصر بالنسبة لجريمة الاثراء غير المشروع على القطاع العام والحال ان اتفاقية الامم المتحدة التي صادقت عليها تونس بصفة صورية بمقتضى القانون عدد 16 لسنة 2008 نصت بوضوح لا لبس فيه على ضرورة تجريم الفساد في القطاع الخاص كما يتضح ذلك جليا من الفصول 12 و14 و21 و22 و23 و24 و31 من الاتافقية الاممية. كان من المفروض ان يتضمن ذاك المشروع المشوب بصفة متعمدة بالفساد نتيجة لاستشراء الفساد التشريعي احكاما تفرض على أي مواطن تبرير مصدر ونمو ثروته بغض النظر عن انتمائه او عدم انتمائه للوظيفة العمومية وذلك احتراما للاحكام المشار اليها اعلاه. كما لم يتضمن المشروع احكاما تتعلق بالاشخاص الذين غادروا الوظيفة العمومية باي عنوان كان (التقاعد، الاستقالة، الطرد…). فالملاحظ ان عددا هاما ممن غادروا الوظيفة العمومية او عملوا مع الرئيس المخلوع كدسوا ثروات مشبوهة وطائلة متاتية اساسا من الرشوة والفساد دون ان تشملهم المساءلة الى حد الان. ايضا لم يشر المشروع عن قصد او عن جهل للموظفين المعنيين باحكام الفصل 5 من قانون الوظيفة العمومية المتعلقة بضرورة التصريح بنشاط قرين الموظف اذا كانت له علاقة بوظيفه (تضارب مصالح). كان من المفروض توسيع مجال تطبيق الفصل 5 ليشمل الاقارب وبالاخص الابناء والاخوة والاصهار والاباء والامهات بالنظر لخطورة الجرائم المرتكبة اليوم في وضح النهار في حق الخزينة العامة نتيجة لتضارب المصالح. فالملاحظ ان عددا من الموظفين العموميين الموجودين في تلك الوضعية عاثوا فسادا في تونس من خلال السمسرة في الملفات الجبائية والبنكية والصفقات العمومية وغيرها من الملفات. بالنسبة للتوقي من تضارب المصالح، لم يشر المشروع الى مسالة مباشرة الموظف العمومي لانشطة اخرى ومسكه لمصالح بطريقة غير مباشرة وبواسطة. فالملاحظ ان عددا هاما من الموظفين العموميين الفاسدين بعثوا بمكاتب دراسات واستشارات وتكوين وسمسرة وتخريب بواسطة الابناء والازواج وحتى اشخاصا واجهة دون ان تحرك الادارة ساكنا رغم علمها بتلك الاوكار. الغريب في الامر، ان لا يخص الفصل 31 من المشروع عدم التصريح بالمكاسب بعقوبة بالسجن. اما الفصل 33 من المشروع، فلم يخص التصريح المغشوش بعقوبة بالسجن. في حين ان الفصل 36 من المشروع، جاء لتبييض الرشوة حيث لم ينص على عقوبة بالسجن ضد الموظف العمومي الذي يقبل هدية في اطار مهامه وفي هذا دوس على الاحكام المتعلقة بالرشوة الواردة بالمجلة الجزائية واتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد. اما الفصل 42 من المشروع، فقد نص على امكانية اتخاذ اجراءات تحفظية من قبل المحاكم عوض التنصيص على ضرورة اتخاذ تلك الاجراءات حتى لا يتم التفويت في المكاسب المتحصل عليها بطرق غير شرعية مثلما نلاحظه اليوم وبالاخص بعد 14 جانفي 2011. الاتعس من ذلك ان لا يمكن المشروع هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد ودائرة المحاسبات من معاينة عدم التصريح بالمكاسب من خلال تحرير محاضر بهذا الخصوص واحالتها على النيابة العمومية حتى لا تبقى العقوبات الواردة بالمشروع حبرا على ورق مثلما نلاحظه اليوم بكل مرارة بالنسبة لعدد هام من النصوص التشريعية المشوبة بالفساد التي نخص بالذكر منها مجلة الشركات التجارية والتي تم النصيص عليها لتحصين الجريمة وتنميتها. الجريمة الكبرى تتمثل في مغالطة الراي العام المحلي والدولي وتضليله من خلال اكذوبة قذرة مفادها ان المشروع سوف يشمل القطاع الخاص والحال ان الامر يتعلق بالزام بعض المسؤولين النقابيين والصحفيين واصحاب المؤسسات الاعلامية ومسيري الاحزاب السياسية والجمعيات بالتصريح بمكتسباتهم. ان هذه الاكذوبة ترمي الى التستر على المافيات والعصابات التي تصدت لمقترحنا الداعي الى التنصيص بوضوح على امكانية مساءلة أي مواطن بغض النظر عن انتمائه للوظيفة العمومية بخصوص مصدر ثروته. لا ننسى ايضا ان البعض برر التصدي لمقترحنا بتضمين الية مكافحة الاثراء غير المشروع بمجلة الحقوق والاجراءات الجبائية وهذا محض كذب سافر ومغالطة رخيصة لا يمكن ان يصدقها الا جاهل او فاسد او منافق باعتبار ان كل النصوص الجبائية لم تتطرق الى هذه المسالة. من لا يعرف ان التشريع الجبائي يسمح لادارة الجباية بقبض الاداءات والمعاليم بعنوان المداخيل المتاتية من الجريمة والفساد ولا يخول لها مصادرتها. من لا يعرف ان البعض يصر على عدم تجريم الرشوة بالقطاع الخاص في خرق صارخ لاحكام الفصل 12 من اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد وكذلك عدم استرجاع العائدات المتاتية من الجريمة في خرق للفصل 31 من نفس الاتفاقية. هل يعقل ان يطبق هذا القانون على ما يقارب 800 الف موظف وشبهه عوض ان يطبق على ما يقارب 11 مليون تونسي ؟ كان من المفروض ان يتضمن المشروع فصلا يكون نصه كالتالي :”تطبق احكام هذا القانون المتعلقة بالاثراء غير المشروع على القطاع الخاص”. ان التبريرات التضليلية والفاسدة التي تقدم بها البعض ترمي اساسا الى تحصين زمرة من المنافقين والفاسدين والمحتكرين وممارسي كل انواع الجرائم الاقتصادية والقتلة من غير الموظفين العموميين الذين كدسوا ثروات طائلة تقدر بمئات مليارات الدينارات لا يمكنهم تبريرها خاصة انه ثبت من خلال “عملية حنبعل” ان عشرات مليارات الدينارات المتاتية من ليبيا والجزائر تم تهريبها عبر المطارات والبنوك التونسية والمعابر الحدودية النظامية الى الخارج وان مبالغ خيالية من الاموال المهربة تم الابقاء عليها بتونس خارج النسيج البنكي وفي هذا خرق صارخ لاحكام اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد ولتوصيات مجموعة العمل المالي بباريس التي كانت وراء “عملية حنبعل” والتي صنفت تونس كوكر لتبييض الاموال. فحتى الفصول 16 و17 و18 من قانون المالية التكميلي لسنة 2014 التي وضعت للتصدي بصفة صورية للسوق الموازية والتهرب الجبائي جاءت صياغتها مشوبة بالفساد حيث اتضح انها تضمنت شروطا مشطة لا تسمح بمصادرة املاك المهربين والناشطين بالسوق الموازية وبالمراقبة الجبائية المعمقة لهؤلاء لمدة لا تقل عن 15 سنة، علما ان رئيس الحكومة ووزير المالية ووزير العدل لم يصدروا منشورا في كيفية تطبيق تلك الاحكام التي بقيت ميتة. ان الفصل 31 من اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد يفرض ان يتضمن مشروع القانون المتعلق بالكسب غير المشروع احكاما تتعلق بمساءلة أي مواطن بخصوص مصدر ثروته وبمصادرة تلك الثروة اذا لم يتم اثبات شرعية مصدرها. كما يجب ان تضمن نفس الاحكام بالمجلة الجزائية التي تعتبر مخالفة الى جانب مجلة الاجراءات الجزائية للقوانين والاجراءات الجزائية النموذجية الموضوعة من قبل معهد الولايات المتحدة للسلام التي تم اعدادها من قبل اكثر من 500 خبير دولي اذا ما اردنا ان نتصدى فعلا للفساد. ان ايداع تصاريح تتعلق بالمكاسب دون القيام بصفة الية بمراقبة صحتها مثلما هو الشان الان في اطار القانون عدد 17 لسنة 1987 الذي ولد ميتا يبقى ضربا من ضروب النفاق والضحك على الذقون والتستر على الفساد ورعايته والتضليل للراي العام المحلي والدولي مثلما هو الشان الان بالنسبة لقانون حماية المبلغين وقانون النفاذ الى المعلومة وغيرها من القوانين غير الدستورية الفاسدة والمخالفة للمعايير الدولية، علما ان الخبراء الممثلين للمنظمات الدولية، وبالاخص منظمة الامم المتحدة اكدوا خلال الندوة التي تم تنظيمها يوم الجمعة 1 جوان 2018 بالاكاديمية البرلمانية، على ضرورة تجريم الاثراء غير المشروع والفساد والرشوة بالقطاع الخاص احتراما لاحكام اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد.

الأسعد الذوادي

رئيس المعهد التونسي للمستشارين الجبائيين وعضو الجمعية العالمية للجباية ومعهد المحامين المستشارين الجبائيين بفرنسا وعضو سابق بالمجلس الوطني للجباية (2002 – 2016)

Share This: